ويتضمّن الفقرات التالية :
(ا) الحق لغةً .
(ب) الحق اصطلاحاً .
(ج) منشأ
(د) حق الدولة في التدخّل .
( أ ) الحق لغةً :
كلمة (الحق) لها معان عدة(1) اقتصر على بعض منها :
فهي اسم من اسماء الله تعالى ، وقيل هي صفة من صفاته ، وهو سبحانه الموجود الحق الثابت وجوده والـٰـهيته .
والحق : ضدّ الباطل .
والحق : هو الواجب المؤكّد الثابت .
وحقوق الله سبحانه: هي مايجب علينا نحوه سبحانه.
وحقَّ الأَمرُ، حقاً وحقوقًا : صحب وثبت وصدق.
وتحقق عنده الخبر : أي صح وثبت .
ويقال : ماله في حق ولا حقاق : خصومة .
والحق : النصيب الواحد للفرد أو الجماعة .
ومنه الحديث : إن الله أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث(2).
أي أعطاه حظه ونصيبه الذي فرض له .
(ب) الحق اصطلاحاً :
الحق : هو ما يختصّ به الشخص عن غيره مادةً ومعنى وله قيمة .
ومنه : حق الملكية ، حق مادي .
وحق التأليف : حق معنوي .
وقد ورد تعريف الحق باصطلاح الحقوقيين بأنه : مصلحة ذات قيمة مالية يحميها القانون(3) وهذا التعريف يختص بالجانب المادي لكلمة (الحق).
أما تعريف الحق بمعناه العام ، فهو :
اختصاص يخوّل الشرعُ صاحبه بموجبه سلطة له أو تكليفًا عليه(4).
فهذا الاختصاص هو علاقة تشمل الحق الذي يكون موضوعه المال، كالدَين في الذمّة لأي سبب كان، أو الذي يكون موضوعه ممارسة سلطة شخصية ، كممارسة الوليّ ولايته ، والوكيل وكالته وكلاهما حق لشخص .
وهذه العلاقة؛ لكي تكون حقًا يجب أن تختص بشخص معين ، أو بفئة ، إذ لامعنى للحق إلا عندما يتصور فيه مزية ممنوحة لصاحبه وممنوعة غيره .
وقد اشترط إقرار الشرع لهذا الاختصاص وما ينشأ عنه من سلطة أو تكليف ؛ لأن نظرة الشرع هي أساس الاعتبار ، فما اعتبره حقاً كان حقاً ، ومالا يعتبره حقاً لايعتبره .
والسلطة على شخص ، كحق الولاية على نفس القاصر، والسلطة على شيء معين كحق الملكية ؛ فإنها سلطة لإنسان على ذات الشيء ، وحق الانتفاع بالأعيان وحق الولاية على المال .
أما التكليف ، فهو دائماً عهدة على إنسان ، وهو إما عهدة شخصية كقيام الأجير بعمله ، وإما عهدة مالية كوفاء الدين .
لأن كل ذلك وأشباهه ، إما سلطة يختص بها من أثبتها له الشرع ، وإما تكليف بأمر على مكلف شرعاً .
وكل حق لشخص يقابله واجب يقع على عاتق غيره ، وهذا الواجب قد يكون عاماً ويدخل فيه جميع الناس ماعدا صاحب الحق ، وعليهم ان يمتنعوا عن التعرّض له في استعمال حقه ، وهو واجب سلبي لايلزم المرء بالقيام بأي عمل ، وإنما يلزمه فقط بالامتناع عن الاعتداء على حق الغير.
وقد يكون هذا الواجب شخصيًا أو خاصاً، وهو الواجب الذي يقابل نوعاً معيّنًا من الحقوق دون غيره ، ويلزم شخصاً معيناً بعمل شيء أو الامتناع عن عمل شيء لمصلحة صاحب الحق ، فهو قد يكون سلبيًا وقد يكون إيجابيًا .
وللحق ركنان أساسيان : هما صاحب الحق ومحلّ الحق .
وصاحب الحق : هو الشخص الذي يكون له الحق، أو يقع عليه الالتزام . وهذا الشخص قد يكون شخصًا طبيعيًا أو شخصًا اعتباريًا (معنويًا) .
ومحلّ الحق : هو الشيء المادي أو المعنوي الذي ترد عليه السلطة المخوّلة لصاحب الحق عليه ، كالبيع في عقد البيع .
(ج) منشأ فكرة الحق :
يتمسك كل امرئ بحقه ويدافع عن هذا الحق بكل ما يستطيع من قوة ، ولايقبل أن ينتقص منه أحد دون إرادته ورضاه ، إلا بما تفرضه عليه المصلحة العامة .
ومنشأ فكرة الحق قديمة قِدَم العالم ؛ لأن الحق من حيث هو اصطلاح ، تواضع عليه الناس وأقرّوه لبعضهم بعضًا ؛ كي لاتطغى حاجة إنسان على حاجة غيره ، ولاتصطدم حريته بحرية سواه ، ومن ثم تأصّلت فكرة الحق وإقراره واحترامه بين الناس مع تطور تقدم البشرية وتوسع الحياة المدنية .. وجاءت الشريعة الإسلامية منظمة لفكرة الحق ومؤيدة له ومعينة لحدوده، وبذلك فقد فرضت حرمته ، وربطته بإرادة المولى سبحانه مُحِق الحق وناصره .
ثم تفرع على ذلك ضبط مفاهيم الحق وتقعيد القواعد له ، وفرض المؤيدات الكفيلة باحترامه والحد من إساءة استعماله أو التعسف فيه بما يحقق الاستقرار بين الناس في تعايشهم وتعاملهم وتوفير حرياتهم(5).
(والحق ليس غاية في ذاته ؛ بل وسيلة إلى مصلحة شرع الحق من أجلها ، ولو كان غاية في ذاته ، لكان من حق الفرد أن يتصرّف فيه وفق هواه ورغبته دون أن يقصد إلى غاية اخرى يحقّقها من وراء تصرفه) .
(والدولة كالفرد ، كلاهما يتلقى الحق من الله تعالى، فالفرد عبد لله لا للدولة ، فالله سبحانه وتعالى الذي منح الفرد حقه ، هو الذي منح الدولة حق الطاعة على الرعية في حدود رعايتها لأحكام الله ، وعلى هذا فلا تملك الدولة أن تمنح للفرد حقاً، إذ ليس حقها أقوى من حق الفرد ، إلا في حالة الاعتداء على حق الغير ، أو حالة التعسّف فيه، وإذا لم تكن مانحة للحق ، فليس لها أن تسلب الفرد حقه تحكمًا وتعسفًا ، ووظيفتها رعاية حق الفرد في حدود المصلحة العامة وتمكينه من التمتّع به على وجه لايضر غيره من الفرد والمجتمع ..
هذا وإذا تدخلت الدولة في شؤون الأفراد ؛ فإنما تتدخل في حق ثابت مقرَّر من قبل الله تعالى ولايجوز – هذا التدخل – إلا في حدود رسمها الشارع الحكيم ترجع كلها إلى مقتضيات الضرورة وكفالة الصالح العام، وتطهير المجتمع من الاستغلال والفساد)(6).
(د) حق الدولة في التدخل (7):
الدولة شخصية معنوية ، يمثلها القائمون عليها، من سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية ، وهذه السلطات يقوم عليها أشخاص طبيعيون يؤدون خدمات ضمن حقول اختصاصهم ، فهم لايعملون لأشخاصهم من حيث الاختصاص ، وإنما يعملون للصالح العام ، ويتقاضون عن هذا التفرغ للعمل العام رواتب(
يغلب عليها أنها تقوم بكفايتهم المعاشية .
وهؤلاء الموظَّفون يخضعون من حيث الاختصاص أو واجبات العمل إلى أنظمة وتعليمات يتقيدون بها أقرها المشرّع – على اختلاف جهة التشريع – ويكونون مسؤولين أمام الجهات المختصة عند وقوعهم أو ارتكابهم لحالة توجب المؤاخذة .
وإن تنوع الوظائف والخدمات يخضع لمتطلبات الحاجة التي يقتضيها سير العمل العام في أجهزة الدولة .
ومن حيث العموم ؛ فإن كل موظف في الدولة، مهما كان نوع وظيفته ، هو موظف عام ويؤدي خدمة عامة ، أي إنه إنسان متخصص بعمل من الأعمال الموكَّل إليه ، ومتفرغ له ، وتعود نتائج عمله إلى المصلحة العامة .
أي إن الموظف في خدمة أفراد المجتمع الذين يشكلون بمجموعهم هذا المجتمع الذي تفرغ بعض أفراده للقيام بما يحتاج إليه من الخدمات والمرافق العامة او المصالح العامة .
وكل تفريط يصدر من أحد العاملين في الحقل العام، يمس مجموع المواطنين ، أي يمس أفراد المجتمع بأسرهم ؛ لأن المجتمع وحدة متماسكة تتأثر بما يصيبها من خير أو شر، وأن مسؤولية الموظف العام ليست كمسؤولية العامل الخاص الذي يعود أثر تقصيره على شخصه فقط ؛ لأن من يكون مسؤولاً تجاه أفراد المجتمع جميعهم ليس كمن هو مسؤول عن نفسه أو عمّن يعيله ؟
وبمقدار ما يتحمّل الموظف العام من مسؤولية؛ فإن له على أفراد المجتمع واجب الطاعة ، والالتزام وسرعة الاداء لما يطلبه منه ، ومن هنا تأتي أيضًا مسؤولية الفرد عند تقصيره أو تفريطه بحق يعود إلى المجتمع من حيث المآل .
فالكل مسؤول ضمن حدود ما هو مكلَّف به ومطلوب منه .
وللدولة الممثلة بمختلف أجهزتها حق التدخل لتحقيق المصالح العامة ، ويكون تدخّلها في إيجاد تنظيمات أو إصدار تعليمات ، أو وضع حدود أو فرض أوامر .. يقتضيها حسن التعايش وسلامة النتائج وضمان الكفاية والحماية والرعاية التي هي من مستلزمات قيام الدولة واستغنائها عن غيرها .
ولما كان حق التدخل من الدولة له من الشمول مالصلاحياتها من العموم ، وكان ما يتعلق بموضوع بحثنا (تدخل الدولة في الأمور الاقتصادية) لذلك وجدت من الضروري أن أفراد بحثًا للملكية؛ لأنها من أبرز عناصر الاقتصاد ؛ ولأن تعلقها بالحرية – حرية التملك – أمر يرعاه التشريع الإسلامي ويكفل له الحماية، وأنها من الحقوق التي قد يتناولها التدخل في بعض الحالات .
* * *
الهوامش :
(1) أنظر مادة (حق) في "لسان العرب" وفي "النهاية" لغريب الحديث والأثر.
(2) رواه الإمام "أحمد" .
(3) مصادر الحق للسنهوري ص:4 .
(4) كتاب (الحقوق المدنية ج2) للأستاذ الجليل "مصطفى أحمد الزرقاء" ، وعرفه الأستاذ "حسن كيره" في كتابه (الموجز في المدخل للقانون) الحق : هو تلك الرابطة القانونية التي بمقتضاها يخوّل القانونُ شخصاً من الأشخاص (على سبيل الانفراد والاستئثار) التسلط على شيء أو اقتضاء أداء معين من شخص آخر .
(5) من كتاب (المدخل لدراسة القانون المدني والالتزامات) للمؤلف ص:32 .
(6) من كتاب (الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده) للدكتور "فتحي الدريني" ص 72/73 .
(7) أنظر بحث (الدولة في الإسلام) الباب الأول من هذا الكتاب.
(
الراتب : هو الأجر المادي الذي تخصصه الإدارة أو المصلحة لمن يعمل لديها ويتقاضاه شهريًا ويسمى (المرتب) أي ترتب له بمعنى وجب . ويسمى في بعض الدول (معاشاً) أي المبلغ الذي ينفقه الموظف على معاشه .
* *